سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا} أي: من الجنة، وقيل: من السماء إلى الأرض وكان له ملك الأرض فأخرجه منها إلى جزائر البحر وعرشه في البحر الأخضر، فلا يدخل الأرض إلا خائفا على هيئة السارق مثل شيخ عليه أطمار يروع فيها حتى يخرج منها.
قوله تعالى: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ} بمخالفة الأمر، {فِيهَا} أي: في الجنة، فلا ينبغي أن يسكن في الجنة ولا السماء متكبر مخالف لأمر الله تعال: {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} من الأذلاء، والصغار: الذل والمهانة.
{قَالَ} إبليس عند ذلك، {أَنْظِرْنِي} أخرني وأمهلني فلا تمتني، {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من قبورهم وهو النفخة الأخيرة عند قيام الساعة، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت.
{قَالَ} الله تعالى، {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} المؤخرين، وبيّن مدة النظر والمهلة في موضع آخر فقال: {إلى يوم الوقت المعلوم} [الحجر، 38]، وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم.
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} اختلفوا في ما قيل: هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني؟ ثم ابتدأ فقال: {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ} وقيل: ما الجزاء، أي: لأجل أنك أغويتني لأحقدن لهم. وقيل: هو ما المصدرية موضع القسم تقديره: فبإغوائك إياي لأقعدن لهم، كقوله: {بما غفر لي ربي} [يس، 27]، يعني: لغفران ربي.
والمعنى بقدرتك عليّ ونفاذ سلطانك فيّ. وقال ابن الأنباري: أي فيما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب هبوطي من السماء، أغويتني: أضللتني عن الهدى. وقيل: أهلكتني، وقيل: خيبتني، {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: لأجلسن لبني آدم على طريقك القويم وهو الإسلام.
{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من بين أيديهم أي من قِبل الآخرة فأشككهم فيها، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أرغبهم في دنياهم، {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} أشبه عليهم أمر دينهم. {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أشهي لهم المعاصي، وروى عطية عن ابن عباس: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قِبَل دنياهم، يعني أزينها في قلوبهم، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من قِبَل الآخرة فأقول: لا بعث، ولا نشور، ولا جنة، ولا نار، {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} من قِبَل حسناتهم، {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} من قِبَل سيئاتهم.
وقال الحكم: من بين أيديهم: من قبل الدنيا يزينها لهم، ومن خلفهم: من قبل الآخرة يثبطهم عنها، وعن أيمانهم: من قبل الحق يصدهم عنه، وعن شمائلهم: من قبل الباطل يزينه لهم. وقال قتادة: أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن خلفهم: من أمور الدنيا يزينها لهم ويدعوهم إليها، وعن أيمانهم: من قبل حسناتهم بطأهم عنها، وعن شمائلهم: زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله. وقال مجاهد: من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون، ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون. وقال ابن جريج: معنى قوله حيث لا يبصرون أي لا يخطئون وحيث لا يبصرون أي لا يعلمون أنهم يخطئون.
{وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} مؤمنين، فإن قيل: كيف علم الخبيث ذلك؟ قيل: قاله ظنا فأصاب، قال الله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} [سبأ، 20].


{قَالَ} الله تعالى لإبليس، {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} أي: معيبا، والذيم والذأم أشد العيب، يقال: ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم وذامه يذيمه ذاما فهو مذيم، مثل سار يسير سيرا، والمدحور: المبعد المطرود، يقال: دحره يدحره دحرا إذا أبعده وطرده. قال ابن عباس: مذءوما أي ممقوتا. وقال قتادة: مذءوما مدحورا: أي لعينا منفيا. وقال الكلبي: مذءوما، مدحورا: مقصيا من الجنة ومن كل خير. {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من بني آدم، {لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ} اللام لام القسم، {مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} أي: منك ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم أجمعين.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} أي: إليهما، والوسوسة: حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} أي: أظهر لهما ما غطي وستر عنهما من عوراتهما، قيل: اللام فيه لام العاقبة وذلك أن إبليس لم يوسوس بهذا ولكن كان عاقبة أمرهم ذلك، وهو ظهور عورتهما، كقوله تعالى: {فالتقطته آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص، 8]، ثم بين الوسوسة فقال: {وَقَال} يعني: إبليس لآدم وحواء {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يعني: لئلا تكونا، كراهية أن تكونا ملكين من الملائكة يعلمان الخير والشر، {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} من الباقين الذين لا يموتون كما قال في موضع آخر: {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه، 120].
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} أي: وأقسم وحلف لهما وهذا من المفاعلة التي تختص بالواحد، قال قتادة: حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وإبليس أول من حلف بالله كاذبا، فلما حلف ظن آدم أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا، فاغتر به.


{فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ} أي: خدعهما، يقال: ما زال فلان يدلي لفلان بغرور، يعني: ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف باطل من القول.
وقيل: حطهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية، ولا يكون التدلي إلا من علو إلى أسفل، والتدلية: إرسال الدلو في البئر، يقال: تدلى بنفسه ودلى غيره، قال الأزهري: أصله: تدلية العطشان البئر ليروى من الماء ولا يجد الماء فيكون مدلى بغرور، والغرور: إظهار النصح مع إبطان الغش.
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} قال الكلبي: فلما أكلا منها، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة، والعقوبة أن {بدت} ظهرت لهما {سوآتهما} عوراتهما، وتهافت عنهما لباسهما حتى أبصر كل واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه، وكانا لا يريان ذلك. قال وهب: كان لباسهما من النور. وقال قتادة: كان ظفرا ألبسهما الله من الظفر لباسا فلما وقعا في الذنب بدت لهما سوآتهما فاستحيا، {وَطَفِقَا} أقبلا وجعلا {يَخْصِفَانِ} يرقعان ويلزقان ويصلان، {عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب.
قال الزجاج: يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما، وروي عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس، فلما وقع في الخطيئة بدت له سوأته، وكان لا يراها فانطلق هاربا في الجنة، فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني، قالت: لست بمرسلتك، فناداه ربه: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا يا رب، ولكن استحييتك».
{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} يعني: الأكل منها، {وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
أي: بيّن العداوة، قال محمد بن قيس: ناداه ربه يا آدم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: رب أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه؟ قالت: أمرتني الحية، قال للحية: لم أمرتيها؟ قالت: أمرني إبليس، فقال الله تعالى: أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة فتدمين كل شهر، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين على بطنك ووجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك، وأما أنت يا إبليس فملعون مدحور.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8